الشفقة الميتافيزيقية

لا ترتبط الميتافيزيقيا بالأخلاقيات القديمة واللاهوتية حصراً، بل إنها لتبُعث من خلال محاولات حثيثة لإنتاج أخلاقيات ميتافيزيقية جديدة، أخلاقيات تبدو تقدمية وتحضرية وتُضرب لها الأبواق تعظيماً في كثير من بقاع العالم، أخلاقيات أصبحت تزخر بها الدعايات ويتبناها المشاهير. 
وبالرغم من أن بعض تلك النظم تتنصل من الأساس المثالي واللاهوتي للأخلاق، إلا أنها تظل تستقي من ذات المنبع. و أشهر مثال على هذا الهراء الميتافيزيقي هي حركات حقوق الحيوان والدعوات النباتية من منظور الشفقة. فيبدو أن تجريم أكل اللحوم واجب أخلاقي بالنسبة لبيتر سينغر، ولكن أي سند  عقلاني يمكن أن يبرر تلك السخافات ؟. إن تلك الدعوات لا تقوم سوى على أخلاقيات ميتافيزيقية نابعة من ذات الاعتقاد الخرافي بوجود وازع أخلاقي أعلى ومُثل مفارقة، أو ضمير إنساني منفصل عن الأنانية والمصلحة. ولكن الأخلاق الواقعية لا يمكن أن تكون سوى منتج اجتماعي حصراً، وبدون مجتمعات لا وجود للأخلاق وكل شيء مباح. وهذا المنتج الاجتماعي الأخلاقي لا يخص سوى أعضاء المجتمع الأنساني فقط، ولا معنى لتضمين الحيوان تحت مظلة الأخلاق الإنسانية كما لو كان جزءاً من العقد الاجتماعي. وليس في هذا تبرير لإساءة معاملة الحيوان أو تعذيبه بدون داعي، ولكن حتى حين نُجرم تلك التجاوزات فإننا نجرمها لكونها سلوكيات مرضيّة لا يمكن أن تصدر  عن فرد صالح نافع للمجتمع. فالمصلحة المجتمعية هي المبرر الوحيد للأخلاق. ولذلك لو كان من المصلحة المجتمعية الإنسانية أن  يُعاني الحيوان ولا بديل عن ذلك، فليعاني الحيوان. فلو كان تطور الطب مرتبطاً بالتجارب على الحيوان، فلا أرى أي إشكال في التجارب على الحيوان مع الحرص على توفير أقل قدر ممكن من الألم، أما أن نعامل الحيوان أخلاقياً كالإنسان فهذا تردي ميتافيزيقي مثير للسخرية.

و يحتج الكثيرين على تضمين الحيوان تحت ستار أخلاقي إنساني بحجة كون الحيوان أقل وعياً. وتلك الحجة صحيحة نوعاً ما بالطبع، ولكنها ليست هي الأساس الذي يجب أن نستند عليه؛ فقد يدافع الطرف الآخر متسائلاً لما لا نعامل البشر من المجانين والمختلين ممن يمكن أن تتشابه قدراتهم العقلية مع الحيوان بنفس الطريقة التي نعامل بها الحيوان ؟. لذلك لا أرى في حجة الوعي سوى حجة ثانوية. أما الحجة الأساسية في تلك المسألة لا تكمن سوى في تحديد المعنى الحقيقي للأخلاق في كونها بناء اجتماعي إنساني لا يهتم سوى بالمصلحة الإنسانية، بناء قائم على المنفعة المتبادلة وليس وهم ميتافيزيقي متعالي. ولذلك فالحيوان لا يمكن أن يوضع تحت مظلة الأخلاق الإنسانية في المقام الأول  لكونه لا يلتزم للإنسان بشيء وبالتالي لا يلتزم له الإنسان بشيء. فعلاقة الإنسان بالحيوان لايزال يحكمها القانون الطبيعي المبني على الصراع، ولهذا تظل مساواة الحيوان بالإنسان أخلاقياً تردي ميتافيزيقي غريب لكون علاقة الإنسانية ببعضها تحكم بقانون مختلف وهو القانون الاجتماعي  والذي لا يشكل الحيوان أحد أعضائه، فعندما يكون بمقدور الحيوان أن يلتزم بواجب اجتماعي  يكون وقتها تضمينه في مظلة الأخلاق الإنسانية ممكنناً، وطالما أن هذا غير ممكن فسيظل رابطنا الأساسي بالحيوان في القانون الطبيعي ( قانون الغابة ).

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

شذرات

2016